للمخرج الرائع أكيرا كوروساوا
مقدمة
هذا الفيلم الذي أعتقد أنه قد ظلمه النقاد الأجانب كثيراً ، لأن الفيلم مليءٌ بالإيحاءات و الإحالات إلى تاريخ اليابان ، في فترةٍ كان اليابانيون يلملمون جراحهم و يعيدون تقييم حضارتهم و انهالوا ثناءً على فيلم يوجيمبو لنفس المخرج . لذا كان لا بد أن أكتب عنه .
لست الخبير الأكبر بالتراث الياباني بالتأكيد ، و لكنّ شعور اليابانيين العام بعد الهزيمة في الحرب العالمية الثانية 1945 يملأ الفيلم ، فالتبجيل الذي عاشه اليابانيون للطبقة المحاربة ( الساموراي – و معناها الذي يخدم ) و دورهم لسبعة قرونٍ في مخيال الياباني ، و نظامهم القائم على الطبقية و الولاء للسيد الأعلى (الدائي ميو- الزعيم المحلي و زعيم الساموراي في منطقته و تتبع له العشائر ) التابغ للشوغون (بمثابة رئيس الوزراء و رأس النظام الإقطاعي ) ثم للإمبراطور ، هذا النظام القائم على مجموعةٍ من القوانين و الأعراف البيروقراطية المستوحاة من تراث اليابان الديني ( الشنتو - عبادة الطبيعة / تقديس الأسلاف / البوذية - الزن/ الكونفوشيوسية ) و العسكري ( الهرمي/ العشائري ) يضمها نظام يسمى بالبوشيدو ( تم تطويره و تدوينه في فترة إيدو 1603-1868 ).
هذا النظام الإقطاعي الطبقي الذي انتهى في عصر إصلاح الإمبراطور موتسوهيتو (المعروف باسم ميجي ) في القرن التاسع عشر 1868 ( و في عام1871 ألغي النظام الطبقي ، و خسر الساموراي معركتهم رسمياً مع الجيش الإمبراطوري الجديد عام 1877 ، و في عام 1889 تمت كتابة أول دستور رسمي للبلاد ) .
إذن فقد حمل القلب الياباني شرخاً بعد الهزيمة المذلّة في العام 1945 ، و ثبوت التفوق التكنولوجي و الصناعي و العسكري للغربيين الغرباء ، كما حصل قبل ذلك عندما أُرْغِم اليابانيون على قبول اتفاقيات الدول الغربية بالقوة العسكرية في بدايات القرن التاسع عشر 1853 حين هاجم الأمريكيون اليابان (طوكيو - إيدو ) مطالبين بفتح جميع الموانيء اليابانية و مساواة الأجانب في الإمتيازات التي منحها الشوغونات للبرتغاليين و الهولنديين . فكان لا بد من التفكّر و مراجعة النفس .
إذن فقد حمل القلب الياباني شرخاً بعد الهزيمة المذلّة في العام 1945 ، و ثبوت التفوق التكنولوجي و الصناعي و العسكري للغربيين الغرباء ، كما حصل قبل ذلك عندما أُرْغِم اليابانيون على قبول اتفاقيات الدول الغربية بالقوة العسكرية في بدايات القرن التاسع عشر 1853 حين هاجم الأمريكيون اليابان (طوكيو - إيدو ) مطالبين بفتح جميع الموانيء اليابانية و مساواة الأجانب في الإمتيازات التي منحها الشوغونات للبرتغاليين و الهولنديين . فكان لا بد من التفكّر و مراجعة النفس .
لقد عاش اليابانيون عزلةً فرضها الشوغونات منذ عهد إيدو على اليابان ، إذ تم توحيد اليابان بعد إنتهاء الحرب الاهلية و الإنقسامات التي تبعتها في عاصمة موحدة هي إيدو (طوكيو أو العاصمة الشرقية لاحقاً ) ، و قد حاصر الشوغونات عقل الياباني حتى منعوا عادة السياحة في البلاد ( ما يشبه نظام الدراويش المتجولين ) ، و قاموا بتأسيس قومية يابانية تعتقد أن طريقها هو الأصلح للحياة و لا تحتفي بالغرباء و عاداتهم ، و تعتبرهم أقل بكثير من نظيرهم الياباني .
في مثل هذا الجو جاء الأجانب و كسروا عزلة البلاد عنوة و على رأسهم الأمريكيون في منتصف القرن التاسع عشر .
في مثل هذا الجو جاء الأجانب و كسروا عزلة البلاد عنوة و على رأسهم الأمريكيون في منتصف القرن التاسع عشر .
من عجائب هذا العصر أنّ الساموراي الذي يموت سيده أو يهجر سيده و يصبح طريداً يسمى رونين ، و يقوم بتغيير قصة شعره التي كانت على شكل شونماج أو ضفيرة علوية ، و ربما يقوم بتربية شعره كاملا و إطلاق لحيته . أيضاً تفقد علامات العشيرة على الملابس أهميتها و قيمتها .
و من عجائبه أن الساموراي لا يحق له العمل ، و يصرف له الأرز بدلاً عن العمل ، و لا يحق له سوى القتل أو القتال دفاعاً عن الشرف و العادات و التقاليد .
عن الفيلم
الفيلم الذي عرض في العام 1962 ، تقع أحداثه قبيل هذه الفترة ( قبيل دخول الأجانب عندما كانت البلاد في معضلة اقتصادية ) في القرن التاسع عشر ، و هو مستوحىً من قصة قصيرة للكاتب الياباني شوغورو ياماماتو (1903-1967) بعنوان (أيام السلام ) ، و عَدّل عليها المخرج أكيرا كوروساوا لتكون القصة المتممة أو الجزء الثاني للفيلم الذي نجح بشكلٍ كبير بعنوان يوجيمبو 1961 ( الحارس الشخصي) ، و يقع الفيلمان ضمن فئة أفلام الحركة ACTION و أفلام الساموراي و أيضاً فئة أفلام الجيادايجيكي ( أفلام الدراما عن فترة الإيدو في اليابان ) .
فيلم يوجيمبو هو الذي أسس لمكانة كوروساوا في اليابان و العالم ، لدرجة أن يقلده مخرجو أفلام الكاوبوي أو الويستيرن (أفلام عن الغرب الأمريكي ) ، أعاد صياغته سيرجيو ليون ليكون أول أفلامه في ثلاثية (الدولار ) ، ليكون فيلمه ( A Fistful of Dollars حفنة من الدولارات ) من بطولة كلينت إيستوود حيث البطل في الأفلام بدون اسمٍ واضحٍ محدد . أول الأفلام إذن هو نسخةً تحاكي يوجيمبو . لتبدأ قصة الأفلام الإيطالية عن الغرب الأمريكي فيما عرف بالإنجليزية (Spaghetti Western ) . هذه الثلاثية بوجه كلينت إيستوود و سيجارته الشهيرة و السيرابي على كتفيه و طرقة حديثه البطيئة ، صارت أول ما تتذكره حين تشاهد أي فيلم عن الغرب الأمريكي .
قصة يوجيمبو مأخوذة عن فيلم (المفتاح الزجاجي 1942) الأمريكي المستوحى من قصة بنفس الإسم للمؤلف داشيل هاميت ، و إن كانت الحبكة تتوافق مع رواية الحصاد الأحمر لذات الكاتب بناءً على رأي بعض المتخصصين في أعمال المخرج و هو أمرٌ لن يغيّر كثيراً في فهم الفيلم .
لم أجد الوقت لقراءة كلتا الروايتين المتوفرتين على موقع جوتنبرغ ، و لم أتمكن من الحصول على نسخة مترجمة من قصص ياماموتو القصيرة ، لأتيقن من تعديلات المخرج لتتناسب القصة مع شخصية سانجورو ، إذ يقول المعلّقون على العمل أن شخصية البطل عند ياماموتو ضعيفة و مخادعة ، بينما بطل كوروساوا شخصٌ دمويٌ و مبارزٌ قوي .
لم أجد الوقت لقراءة كلتا الروايتين المتوفرتين على موقع جوتنبرغ ، و لم أتمكن من الحصول على نسخة مترجمة من قصص ياماموتو القصيرة ، لأتيقن من تعديلات المخرج لتتناسب القصة مع شخصية سانجورو ، إذ يقول المعلّقون على العمل أن شخصية البطل عند ياماموتو ضعيفة و مخادعة ، بينما بطل كوروساوا شخصٌ دمويٌ و مبارزٌ قوي .
و قبل أن نتابع طريقنا لفيلم سانجورو لا بد من الوقوف قليلاً عند أحداث الفيلم الأول ( يوجيمبو) ، البطل في الفيلمين هو شخصٌ واحدٌ بلا اسمٍ واضح سوى أسماء الأشياء التي يجدها حوله ( مثل الفيلم من بطولة كيفن سبيسي ( المشتبه المعتاد The Usual Suspect) ، أما سانجورو ( و هو اسم ياباني و قد يعني أيضاً بعمر الثلاثين ) فهو الاسم الذي يختاره كلقبٍ له في الفيلمين و هو ما يؤكد على أن البطل هنا ليس بطلاً نبيلاً فأي شخص يقوم بأعمال البطولة طالما كان الخير هو الهدف الأعم .
في فيلم يوجيمبو يمر البطل في طريقٍ ببداية الفيلم ، يختار لا على التحديد طريقه برمي عصا و يتابع مسيره حيث يسوقه القدر . يمر بقريةٍ ليشرب شربة ماء فيسمع كيف يهرب فيها شابٌ من زراعة الأرض إلى قريةٍ مجاورة ليعمل فيها بعصابةٍ مخالفاً أوامر والده الذي يحثه على فلاحة الأرض ، يهرع يوجيمبو إلى تلك القرية و يدخل إلى حانةٍ صغيرةٍ فيها ، و يبدأ في الإستعلام عن العصابات هناك ، ليكتشف أن عصابتين تديران القرية ، يقوم يوجمبو بإبراز مهاراته في القتل و يعرض خدماته كحارسٍ شخصي على زعماء العصابتين . خلاصة القول يقضي يوجيمبو على العصابتين ، من خلال الدسائس و المؤامرات و بمهاراته التي لا تصدق كساموراي سابق ( رونين) ثم يترك القرية خالية من المستبدين ، بعد منازلة نهائية مع أعضاء العصابة المتبقين ، و يعيد الشاب إلى قريته بعد طرده من العصابة .
الفيلم الأول هذا بسيطٌ و واضح المعالم و غير معقد ، و يخلو من الدم تقريباً و حتى من تقطيع الملابس بالسيف برغم جودة الإخراج ، الحوارات ركيكة و موت الأشرار لا يخلو من كوميديا و سذاجة . و يكاد الفيلم يخلو من التشويق حيث يتفوق عليه تقليده الأمريكي بكثير . من شاهد ( الساموراي السبعة) 1954 لنفس المخرج لن يصدق سذاجة يوجيمو و نجاح الفيلم ، لن يصدق أن هذا هو أكيرا كوروساوا القاريء الجيد للأدب الغربي و الياباني . ربما أفضل ما في الفيلم تمثيل توشيرو ميفوني الذي خلق له كوروساوا حركة حك الذقن المميزة من داخل ثوبه الفضفاض ، مثلما فعل سيرجيو ليوني بكلينت إيستوود و سيجارته و السيرابي على كتفيه .
أحداث الفيلم
كما كنت ذكرت سابقاً أن الفيلم أُريد له أن يكون تتمة يوجيمبو ، و في نفس الحقبة الزمنية في منتصف القرن التاسع عشر . الموسيقى في بداية الفيلم تماثل موسيقى يوجمبو ، في معبدٍ قديم تجمّع تسعة شباب من الساموراي الواعدين النزيهين ، يناقشون اتفاقهم مع المشرف العام على أبناء العشيرة لتطهيرها من الفساد ، أحدهم ابن أخ الوزير ، ظناً منهم أن الوزير رأس الفساد . يظهر سانجورو من حيث لا يدري أحد و يناقشهم و يثبت لهم فساد المشرف العام و يحميهم من خطته لقتلهم . تتكشف الأمور في المقاطعة ، و يقوم المشرف بخطف الوزير و اتهامه بالفساد ، أثناء هذه الحملة على الوزير يقوم سانجيرو و رفاقه التسعة باستعادة زوجة و ابنة الوزير . و يهربون إلى منزلٍ مجاور لمنزل صديق المشرف العام حيث يُحتجز الوزير .
سانجيرو و بعد مناورات مع الحارس الخاص للمشرف العام يكتشف أن هذا الحارس موروتو يخطط لذات الشيء ، للقضاء على المشرف العام و لكن من الداخل . يقوم سانجيرو بعد مراوغاتٍ عديدة و صراعاتٍ متعددة بالسيف بتحرير الوزير ، لينتحر المشرف العام و يرتفع الأمر إلى الدائي ميو ثم إلى الشوغون . و كالعادة يخرج بعد النجاح و يرفض أن يتبعه أحد ، و لكن هانبي موروتو و على طريقة الساموراي يطلب النزال ، فينتهي الفيلم بمشهد قتل موروتو و غضب سانجورو لأنه قتله و ذهول الساموراي التسعة .
سانجيرو و بعد مناورات مع الحارس الخاص للمشرف العام يكتشف أن هذا الحارس موروتو يخطط لذات الشيء ، للقضاء على المشرف العام و لكن من الداخل . يقوم سانجيرو بعد مراوغاتٍ عديدة و صراعاتٍ متعددة بالسيف بتحرير الوزير ، لينتحر المشرف العام و يرتفع الأمر إلى الدائي ميو ثم إلى الشوغون . و كالعادة يخرج بعد النجاح و يرفض أن يتبعه أحد ، و لكن هانبي موروتو و على طريقة الساموراي يطلب النزال ، فينتهي الفيلم بمشهد قتل موروتو و غضب سانجورو لأنه قتله و ذهول الساموراي التسعة .
وجهة نظر
الفيلم أكثر نضوجاً و يابانيةً من يوجيمبو ، التصوير و اللقطات أكثر حرفية و إتقاناً و إن كان ما يشدك في يوجمبو اللقطات الواسعة للكاميرا و الزوايا العريضة ، و المشاهد الطويلة . لكن التمثيل أكثر جودة و إتقاناً و الشخصيات ليست كاريكاتورية مثل مجرمي يوجيمبو . في هذا الفيلم أيضاً هناك مستوىً أعلى من الرمزية و الإحالة إلى الحل المطلوب في اليابان لتجاوز مشكلة التراث .
إذ إن دخول البطل المفاجيء و حنكته في معرفة مغزى الكلمات و مقاصدها ، حنكته في التصرف إزاء قوى الشد العكسي في المجتمع كالمشرف العام و تعزيز القوى التي تدفعه للأمام كالوزير ، هو باختصار الساموراي النزيه التراثي ، لكنه ساموراي متمرد لا يقص شعره كما يجب و لا يكترث كثيراً بآراء الناس ، يطلب المال في الظاهر و إن كان يأخذ ما يحتاج و ينفق على من حوله ، و يطلب الطعام ، و هذان أمران يعيبان الساموراي . لكنه هنا ساموراي فضفاض ، ساموراي طوّعته الظروف و لكنه لم يفقد نزاهته . هذا ساموراي جديد يقدّر نصيحة امرأة و يسمح لها أن تصعد على ظهره لتعتلي سوراً ، هو أكثر حناناً مما يبدو ، يسمع للآخرين و إن كان كالسيف المجرد بدون غمد كما قالت له السيدة ، حادٌ و قاتل .
سانجورو هو هذا التراث الياباني العميق الحسن بعد التهذيب و المراجعة هو جزءٌ من حركة الشباب للتصحيح ، بالتعاون مع الكبار النزيهين للنهضة باليابان والتخفيف من غلواء الحروب و التقاليد العسكرية ، حين تدعوه المرأة للتخفيف من القتل يستمع . حين يدعوه هامبي موروتو للقتال يحاول تجنبه .
إذ إن دخول البطل المفاجيء و حنكته في معرفة مغزى الكلمات و مقاصدها ، حنكته في التصرف إزاء قوى الشد العكسي في المجتمع كالمشرف العام و تعزيز القوى التي تدفعه للأمام كالوزير ، هو باختصار الساموراي النزيه التراثي ، لكنه ساموراي متمرد لا يقص شعره كما يجب و لا يكترث كثيراً بآراء الناس ، يطلب المال في الظاهر و إن كان يأخذ ما يحتاج و ينفق على من حوله ، و يطلب الطعام ، و هذان أمران يعيبان الساموراي . لكنه هنا ساموراي فضفاض ، ساموراي طوّعته الظروف و لكنه لم يفقد نزاهته . هذا ساموراي جديد يقدّر نصيحة امرأة و يسمح لها أن تصعد على ظهره لتعتلي سوراً ، هو أكثر حناناً مما يبدو ، يسمع للآخرين و إن كان كالسيف المجرد بدون غمد كما قالت له السيدة ، حادٌ و قاتل .
سانجورو هو هذا التراث الياباني العميق الحسن بعد التهذيب و المراجعة هو جزءٌ من حركة الشباب للتصحيح ، بالتعاون مع الكبار النزيهين للنهضة باليابان والتخفيف من غلواء الحروب و التقاليد العسكرية ، حين تدعوه المرأة للتخفيف من القتل يستمع . حين يدعوه هامبي موروتو للقتال يحاول تجنبه .
إنه التقايد اليابانية بحلتها الجديدة تتصارع مع التقاليد اليابانية بحلتها القديمة و تنتصر نصراً مؤلماً على نفسها .
يسمح للمرأة بالتقدم ، يسمح للشباب بالتقدم ، و ينصحهم كما في نهاية الفيلم أن لا يكونوا مثله و مثل هامبي موروتو ، سيوفاً -أي حروباً دائمة- فأحسن السيوف في أغمادها تبقى صقيلة كما نصحته السيدة . اليابان يجب أن تتجاوز هذا التراث العسكري ، و أن تتقدم للأمام بعيداً عن الحروب . لذلك ينصح الشباب أن لا يكونوا مثله برغم انبهارهم به . و يختفي .
تعقيب أخير
وهذا رابط الممثل تاتسودا ناكادي الذي مثل دور هامبي موروتو على الأداء الرائع لتاشورو ميفوني في المشهد الأخير من الفيلم الذي يبدأ و ينتهي بدون دماء إلا في هذه اللقطة ، و هذه اللقطة من أجمل ما أخرج أكيدو كوروساوا . ( لكم أن تتخيلوا كيف قلدها المخرج كوينتن تارانتيو في أفلامه و خاصةً أقتل بيل Kill Bill ).
0 التعليقات:
إرسال تعليق